الشيخ أحمد رضاخان البريلوي
محمد أنصار الرحماني
قد أنجبت الهند في أدوارها التاريخية رجالا سارت بشهرتهم الركبان إلى أنحاء العالم. وفيهم ملوك عظام مثل الملك المغولي الشهير أورنكزيب عالمكير’ والمحدثون الكبار مثل المحدث الكبيرشاه ولى الله الدهلوى ’ و دعاة مخلصون مثل الشيخ سلطان الهند غريب نواز خواجه معين الدين الجشتى الأجميري وعلي الهجويرى’ وغيرهم من الأدباء والشعراء. ومن هؤلاء النجباء ونوابغ الدهر الشيخ علي حضرت احمد رضاخان بريلوى. كان الشيخ نجما ثاقبا وبدرا طالعا في آفاق التصوف ومطالع العلوم. اشتهر في العالم الإسلامي بعبد المصطفى لأنه كان يدور بخلده العشق العميق للقبة الخضراء ونسيم المدينة الغراء - وعلى صاحبه ألف ألف سلام - تغنى بإشعاره المتدفقة بالحب لسيد الكونين’ الهند وباكستان وبنغلاديش وغيرها من البلاد الإسلامية. واليه يرجع الفضل في مدافعة آراء أهل الباطل والبدعة عن الإسلام والسنة الطاهرة في القرن الرابع عشر الهجري. وهو الذي ثبت الإقدام المترددة آنذاك فى نهج الصاحبة والتابعين والأئمة السالفين.
ولد الشيخ العالم العلامة المفتى أحمد رضا بن نقي علي بن رضا علي الأفغاني الحنفي البريلوى يوم الاثنين’ عاشر شوال سنة 1272هـ ببلدة بريلى. تلقى العلوم الدينية منذ صغره من والده. ولازم رضاخان والده مدة طويلة في طريق التعلم حتى برع في العلوم الدينية بأسرها و فاق في الفنون الإسلامية بحذافيرها. و تجلت عبقريته ومهارته في العلوم كلها لاسيما في الفقه والأصول. وفرغ من تحصيل العلوم من والده سنة 1286هـ. وله وقتئذ أربع عشرة من عمره!
وسافر رضاخان مع والده إلي الحرمين الشريفين للحجة الأولى سنة 1295 هـ. وأسند الحديث في هذه الرحلة عن السيد أحمد زينى دحلان الشافعي المكي’ ونال الإجازة عن الشيخ عبد الرحمن سراج, مفتى الأحناف بمكة المكرمة’ والشيخ حسين ابن صالح جمل الليل من أكابر علماء مكة المكرمة والمدينة المنورة ـ أقامهما الله وأدام شرفهما – أعجب علماء الحرمين الشريفين بغزارة علمه وسعة اطلاعه على المتون الفقهية والمسائل الخلافية’ وسرعة تحريره وذكائه.
وقام الشيخ رضاخان بعد رجوعه إلى الهند بالتأليف وتحرير المسائل والإفتاء والرد على الوهابية والقاديانية وأهل الأهواء والبدع والضلالة. كلما حاول هؤلاء الضالون المضلون لإيقاد نار البدعة فى أفكار عامة الناس وترويج بضاعتهم الكاسدة فى أسواق المسلمين انتبه الشيخ لهذه المحاولات وأطفأ نيران البدعة برسائله الساحرة. وأثبت قوائم السنة الشريفة بالحجج الباهرة والأدلة الظاهرة.
ومما يدل على تبحره فى الأحاديث النبوية الشريفة رسالته "الدولة المكية بالمادة الغيبية" هي رسالة قيمة فى مبحث علم الغيب كتبها الشيخ فى الحجاز حين اقترحها علماء الحجاز فى رحلته الاولى للحج. إنما ألف رضاخان هذه الرسالة الطويلة بست ساعات فقط معتمداعلى قوته الحافظة من غير أن يراجع أية مصادر. أقر علماء الحجاز قاطبة للشيخ بمهارته وعبقريته حين قدمت الرسالة أمامهم. وكذا قدم رضاخان بطلب العلماء رسالة أخرى فى زكاة القرطاس وسماها "كفل الفقيه الفاهم فى قرطاس الدراهم" هذه الرسالة تعتبر عمدة فى هذا الموضوع.
ورد الشيخ دعاوي منكري ختم النبوة أشد الرد وأبلغه حتى أعلن أن منكر ختم النبوة ليس من الإسلام فى شيئ. ألف لهذا الغرض كتبا ورسائل منها"بحرالديان" و"الصارم الربانى" و"السوء والعقاب" و"جزاء الله" و"ختم النبوة" و"المبين ختم النبيين". وقد استمد من علومه الشيخ أحمد كويا الشالياتي الملباري لمقاومة أهل الآراء الزائفة فى مليبار. نرى فى مكتبته الزاخرة "المكتبة الأزهرية" كثيرا من كتب أحمد رضاخان. ولذا نحن المسلمين المليباريين أيضا مد ينون لهذا العالم الكبير.
كان الشيخ يقرض الأشعار الخلابة في اللغة العربية والفارسية والأردوية. قد انعكس فى أشعاره البليغة غرامه وحبه الشديد للروضة الشريفة وصاحبها صلى الله عليه وسلم. نورد نبذة من أشعاره منوالا ومثالا. يقول حين زار الروضة الشريفة فى غاية التواضع والتبجيل: "إنما أنا سائل مسكين يتجول فى سكة المدينة يارسول الله! ولكن السائلون فى هذه السكة ملوك عظام’ ومالي لا أرى أحدا يسألني: كيف حالك يارضا!؟ وكم من كلاب مثلي تتجول في هذه السكك!". وله دواوين الأشعار في مدح النبي صلى الله عليه وسلم. منها "حدائق بخشش" و"مصطفى جانى" "وسلام رضا".
وله قلم سيال فى مجال التصنيف والكتابة حتى يبلغ عدد مصنفاته من الكتب والرسائل والمقالات خمس مائة. وله مجموعة الفتاوى التى أفتى بها في مسائل شتى. وكتب ترجمة للقرآن الكريم وسماها "كنز الإيمان". ومع ذلك ألف كتبا عديدة للمدافعة عن الرسول صلى الله عليه وسلم موجات التهم التى أثارها بعض علماء عصره مثل الإمام محمد قاسم النانوتوي والعلامة رشيد أحمد الكنكوهي والشيخ خليل أحمد السهارنفوري ومولانا أشرف علي التهانوي ومن والاهم حتى نص على كفرهم وأخذ التوثيقات على ذلك من علماء الحرمين ونشرها فى مجموعة سماها "حسام الحرمين على منحر أهل الكفر والمين". إنما أغضب الشيخ وأثارحميته وغيرته الإسلامية بعض أقوال هؤلاء العلماء الخطيرة’ لأن إسماعيل الدهلوي زعم أن النبى صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب البتة (شاه إسماعيل الدهلوي – تقوية الإيمان -35)، وادعى قاسم النانوتوى أن كلمة "خاتم النبيين" لا يراد بها آخر الأنبياء والمرسلين (قاسم النانوتوي - تحذيرالناس) واخترع أشرف علي التهانوي قائلا: إن النبي صلى الله عليه وسلم ماعلم بعض الأمور الغيبية إلى آخر لحظة حياته (أشرف علي التهانوى – بسط النبان – 28) وأنكر رشيد أحمد الكنكوهى عقد مجالس المولد إنكارا شديدا (فتاوى رشيدية-23) فأجاب أحمد رضاخان ’ عاشق الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه الدعاوي الباطلة في ضوء الأدلة والبراهين الرقراقة في كتبه "إقامة القيامة" و"منيرالعين" و"أنوار الانتباه" و"الدولة المكية" و"تمهيد الإيمان" و"منير الهدى" و" المعتمد المستند" و"سلطنةِ مصطفى" و"هدى الحيران" و"الأمن والعلى" و"بركات الإمداد" و غيرها. ورد الشيعة والرافضية أيضا أبلغ الرد بكتبه "غاية التحقيق" و" اعقاد الأحباب في الجميل المصطفى" و "رد الرافضي" و "مطلع القمرين فى إبانة سبق عمرين" وغيرها.
وقدأسس رضاخان وخلفائه النجباء مدارس عديدة في أنحاء العالم، منها ‘الجامعة الرضوية’ في ‘بريلى’ و‘ولايل فور’ و‘الجامعة النظامية الرضوية’ فى لاهور وبها أيضا الجامعة النعيمية ودارالعلوم الأمجدية في ‘كراتشي’ والجامعة النعيمية بمراداباد وأنجمن حزب الاخاف فى لاهور.
ومن خلفاء هذا الشيخ المربي في الطريقة القادرية العالم النحرير نعيم الدين مرادابادي (1847 – 1883م) وحشمة علي خان وأمجد علي بن جمال الدين وديدار علي وغيرهم من العلماء الموفقين. وكان الشيخ أحمد كويا الشالياتي يعتمد على كتبه وتحقيقاته في عدة مسائل.
انتقل هذا العالم النحرير والإمام الكبير إلى جوار ربه الغفور لخمس بقين من صفر سنة 1340هـ. تغمده الله بواسع رحمته وجمعنا معه في فسيح جنانه.
المراجع:
1. الصراط المستقيم والفرق المنحرفة (مليالم) ، بي. اى. صادق الفيضي . تانور
2. نهضة المسلمين: الحال والسبيل (مليالم)، بي. اى. صادق الفيضى . تانور
3. نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر، السيد عبد الحي الحسني